التعليم الذاتي بين الكفايات والمهارات

التعليم الذاتي بين الكفايات والمهارات


يسعى الباحثون التربويون إلى تمرير التعليم، و يبذلون جهودا ملحوظة في تحسين نوعيته وممارسته ليستجيب لحاجات المجتمعات والأفراد؛ وتتميز المرحلة الراهنة في تاريخ تطوير التعليم وطرائقه التربوية والديداكتيكية بالتركيز على برامج إعداد المدرسين، ويأتي هذا التركيز نتيجة لسياق اقتصادي واجتماعي وتكنولوجي متميز عن سابقه، ويؤكد هذا السياق بحمولته السياسية والاقتصادية والاجتماعية أهمية التعليم والتعلم، و تتجلى هذه الأهمية في كون التعليم بوابة المستقبل وأساس التنمية الشاملة.
لقد غير السياق الجديد بمنظوره الاجتماعي والاقتصادي والتكنولوجي وظيفة المدرسة، واعتبرها
مؤسسة لإنتاج المهارات والقدرات والكفايات الضرورية لسياق الألفية الثالثة، وتحدد هذه الوظيفة الإنتاجية من خلال مشروع التكوين الشمولي للمتعلمين، ويعمل هذا التكوين على إنماء المتعلمين جسميا وعقليا و نفسيا
واجتماعيا ليكونوا مواطنين منتجين ومتفاعلين مع هذا السياق الذي يحدد خطوط ومسارات مستقبلهم، وشمل هذا التطور أهداف هذه المؤسسة الإنتاجية التي تمد المجتمع بحاجته من القدرات والمهارات، وتمثل هذا التطور على مستوى الأهداف في تنمية القيم والاتجاهات و طرائق التفكير.
وبناء على متطلبات هذا السياق الجديد، كان من الضروري أن تتغير الرؤية اتجاه برامج إعداد المدرسين، وتحل محلها رؤية جديدة بفلسفتها ومناهجها ومعاييرها، ذلك أن تكوين المدرس يعد جزءا لا يتجزأ من تكوين المتعلم.
لقد اهتمت الرؤية الجديدة بناء مشروعات تكوينية تأخذ في اعتبارها كفايات المدرسين الأخلاقية والعلمية والتربوية، وتعتبر المدرس من حيث قدراته، المكون الذي يتحمل مسؤوليات ومهام جديدة لابد من توافرها لمواجهة المتطلبات المتمثلة في تحقيق أهداف المجتمع، والاستجابة لتغيير طرائق التدريس التي تجعل المتعلم محور العلمية التعليمية - التعلمية.
من هنا احتلت برامج تكوين المدرسين موقعا هاما في مشروعات تطوير التعليم والتعلم.

المنظور التقليدي وقضية تكوين المدرس:

يرتكز هذا المنظور على ثلاث مرتكزات:
-1 البرامج الدراسية الخاصة بمادة التخصص في مظاهرها التربوية والنفسية.
-2 تتبع المدرسين بالملاحظة و التدريب والتقويم.
-3 التداريب الميدانية.
وتتموضع هذه المرتكزات في إطار ثنائي يشمل النظري والعلمي، ويمكن تفكيك مرتكزات هذا المنظور بالإشارة إلى أن البرامج الدراسية تمد المدرس المتدرب ببنك المعلومات الضرورية لعملية التدريس، ويمكن إدماج هذا المرتكز في الكفاية الأكاديمية  العلمية التي تعد شرطا لازما لممارسة مهام التدريس، في
حين سيهم مرتكز الملاحظة في خلق الجسور بين المعلومات والمواقف التعليمية  التعلمية، و مثل هذا الربط يعد ضروريا للمدرس المتدرب ويكشف عن كفايته التربوية والديداكتيكية، أما المرتكز الثالث- التدريب الميداني- فإنه يسهل عملية اكتساب المدرس لتلك الخبرات العلمية التي تمثل المظهر التطبيقي وتعكس الكفاية المهنية للمدرس.
وتشير معظم الأبحاث والدراسات التي أنجزت في موضوع تكوين وإعداد المدرسين، إلى محدودية هذا البرنامج؛ ذلك أن "اللفظي" في هذا البرنامج يهيمن على الجوانب العلمية، وقد أكدت هذه الأبحاث والدراسات أن معظم الخريجين الجدد يجمعون على عدم استفادتهم من هذا المنظور التقليدي، ويركز الخريجون الجدد على قصور هذا المنظور في جوانبه العلمية  التطبيقية.
وأمام ظاهرة قصور المنظور التقليدي في تكوين المدرسين كان من الطبيعي أن ترتفع الأصوات مطالبة بتغيير الرؤية وبمراجعة دقيقة وشاملة لبرنامج تكوين المدرسين، وتؤكد هذه المطالب أن المنظورالتقليدي استنفد كل مخزونه الفلسفي والمنهجي والاستراتيجي، وأنه ما عاد قادرا على الاستجابة للحاجات الجديدة.
في هذا الإطار تتميز مرحلة السبعينيات بتركيز عمليات البحث عن منظورات حداثية متطورة بديلة تحل محل المنظور التقليدي لعملية تكوين المدرسين.
وبرجوعنا إلى نتائج عملية البحث هذه، نجد أن أبرز قضايا التطوير والتحديث قد ركزت على مفهوم المنظورات الاستراتيجية الجديدة لتكوين المدرسين، ومن هذه القضايا نذكر ما يأتي:
• منظور تحديث الأهداف العامة والخاصة، ويشمل هذا المنظور الاستراتيجي مستوى الأهداف السلوكية القابلة للقياس.
• منظور تحديثي على مستوى بنية المنهاج، واختيار مفردات البرنامج الدراسي.
• منظور تحديثي على مستوى طرائق التدريس واستراتيجياته التواصلية التي تنقل الخبرات ومهارات التدريس إلى المدرس الجديد.
• منظور تحديثي لنسق الفعل التربوي والديداكتيكي وما يتيحه من حرية اختيار البرامج المرغوب في تعلمها من طرف المتعلم.
• منظور تحديثي لمناهج أو طرائق التقويم من حيث أهدافها وبنيتها وبرامجها وطرائقها التدريسية.
شكلت هذه القضايا بتمظهراتها ما يسمى باستراتيجيات التطوير والتحديث، وكان من بين أهداف هذه الاستراتيجيات تكوين المدرس على أساس الكفاية والأداء، ونشير في هذا السياق إلى أن استراتيجيات تكوين المدرس على أساس الكفاية والأداء قد استفاد من استراتيجيات أخرى مثل استراتيجية استعمال أسلوب التعليم المبرمج، واستراتيجية أسلوب تحليل التفاعل بين المدرس والمتعلم (التفاعل الصفي) واستراتيجية استعمال أسلوب التعلم الذاتي بواسطة الحقائب التعليمية، إلى غير ذلك من الاستراتيجيات.
ترتكز استراتيجية تكوين المدرس على أساس الكفاية والأداء، اعتمادا على الفرضية القائلة بأن المدرسة المبنية على معيار محدد، هي الأساس الذي ينبغي أن يرتكز عليه برنامج (Competence) كفاية تكوين المدرس وتقويمه و ترقيته.

الكفاية في كتابه "الكفاية التربوية الأساسية للمدرس" بأنها (W.Robert) ويعرف الباحث و.روبرت مهارات مركبة أو أنماط سلوكية أو معارف يمكن أن تظهر في سلوك المتعلم وتشتق من تصور واضح ومحدد لنواتج التعلم المرغوب، ومن خصائص برنامج تكوين المدرس على أساس الكفاية نذكر ما يأتي:
• تحديد الكفايات وبرامج تدريسها وفق خطة منهجية مدروسة.
• أداء المدرس أساس أو معيار الحكم على تدريسه.
• التعلم الوظيفي.
• إكساب المدرس الكفاية العلمية والمهنية الضرورية (التدريس الفعال).
• إكساب المدرس المهارات الأدائية (التدريس الفعال).
• شمولية الاتجاهات التربوية والنفسية.
• استثمار استراتيجيات التقويم القبلي والبنائي والتشخيصي والمستمر (التقويم الفعال).

ومن العوامل التي ساهمت في انتشار برامج تكوين المدرسين على أساس الكفاية:

-1 مطالبة الفاعلين التربويين المباشرين وغير مباشرين بمردود أفضل للتعليم و التعلم.
-2 المطالبة بأن تستجيب المؤسسات التعليمية للمتطلبات الاجتماعية والمهنية.
-3 تحديد الكفاية المرتبطة بأدوار المدرس ومسؤولياته في الموقف التعليمي.
-4 تطور مهنة التدريس وما تتطلبه من دراية بخصائص المدرس وأنواع سلوكه في المواقف التدريسية المختلفة.
-5 استجابة نموذج التكوين بالكفايات للمفاهيم الاقتصادية وأساليبها، فقد لوحظ انسياب الكثير من المفاهيم الاقتصادية على النظام التعليمي وعلى مراحل التعليم ومستوياته كافة. فمفهوم اقتصاد التعليم مثلا يتم التركيز فيه على مقدار ما ينفقه المجتمع على التعليم و نتائجه، ونعني بها تلك الدراسات التي اشتغلت على المناهج والطرائق والوسائل التعليمية ونسبة النجاح والرسوب والهدر.
وهناك دراسات اهتمت بالكفاءات الخارجية مثل مدى تلبية التعليم لحاجات المجتمع الاقتصادية والاجتماعية من مخرجات النظام التعليمي.
-6 تطور التكنولوجيا الحديثة ووفرتها من العوامل التي سهلت تنفيذ برامج تكوين المدرسين على أساس الكفايات.
يقوم برنامج تكوين وإعداد المدرسين على أساس الكفايات، على مجموعة من الفرضيات الأساسية:
• عجز المقررات الدراسية بمظهريها التخصصي والتربوي في إكساب المدرس الكفايات التدريسية
وإتقان المهارات.
• قابلية أهداف البرامج التدريسية للتحليل والتصنيف، وتحديد الخبرات والنشاطات التي يمكن بواسطتها
تحقيق الأهداف، وتعلم وإتقان هذه الكفايات.
• عندما يستوعب المتعلم المتوقع منه تصبح العملية التعليمية  التعلمية أكثر فعالية.
• تصبح العملية التعليمية  التعلمية أكثر فعالية عندما تأخذ في اعتبارها الفوارق بين المتعلمين في
الاهتمامات والاستعداد والحاجات.
• تزيد فعالية التعلم عندما يشرك المتعلم في بناء الخبرات التعليمية.
• التدعيم المباشر لاستجابة المتعلم بعد الإنجاز، يزيد من فعالية التعلم.
و يتميز برنامج تكوين المدرس على أساس الكفاية بمجموعة من الخصائص:
• تحديد الكفايات وبرامج تدريسها وفق خطة منهجية مدروسة.
• أداء المدرس معيار الحكم على تدريسه.
• التعلم الوظيفي.
• إكساب المدرس الكفايات العلمية والمهنية الضرورية(التدريس الفعال).
• إكساب المدرس المهارات الأدائية (التدريس الفعال).
• شمولية الاتجاهات التربوية والنفسية في برامج التكوين بالكفايات.
• الاستثمار العقلاني لاستراتيجيات التقويم: التقويم القبلي  التقويم البنائي  التقويم التشخيصي والمستمر (التقويم الفعال).
• إن المدرسين المكونين عندما يعرفون الكفايات التي يتطلبها عملهم فإنهم يستطيعون تحديد الأهداف التي يعملون من أجلها، ويستطيعون بسهولة أن يعرفوا ما يتعين عليهم تعلمه وصولا لتحقيق الأهداف المرجوة.
• تحديد الكفايات اعتمادا على تحليل خاص لوظائف المدرس وأدواره ومهامه.
• تصاغ الكفايات التي يتوقع من المدرس القيام بها داخل الصف وخارجه على شكل أهداف سلوكية قابلة للملاحظة والقياس.
• العناية بالفروق في القابليات والاهتمامات والحاجات الذاتية للمدرسين.
• تتسم الكفايات التدريسية في البرنامج التكويني بسمة التدرج والانتظام في مجموعات، وتسهل السمتان ترجمة الكفايات التدريسية إلى خبرات تعليمية، ويتحدد دور المدرس المتدرب في تحصيل هذه الخبرات.
• يعتمد تقدم المدرس المتدرب في برنامج التكوين بالكفايات على سرعته أو إيقاعه الذي يوازي قدرته.
• استحالة تخرج المدرس المتدرب دون إنجازه عمليا للمهارات التي يحددها البرنامج بناء على معايير موضوعية متفق عليها.
• اعتماد برنامج التكوين بالكفايات على مجموعة من التقنيات التربوية خلال الإعداد و التدريب.
• يعمل برنامج التكوين بالكفايات على ردم الهوة بين النظرية والتطبيق، ويتجلى ذلك في توثيق الترابط والتكامل بين النظري والتطبيقي في برنامج تكوين المدرسين في عملية تعليمهم وتعلمهم محتوى هذا البرنامج.
• تحول النظريات والأسس العلمية إلى كفايات تدريسية يتجلى أثرها في أداء المدرس وعمله، ويكشف هذا الأداء والمهنية عندما يتحولان في المواقف التدريسية، عن أنماط السلوك التي ينبغي أن تكون موضوع إعادة التكوين والتعديل.
• دور التغذية الراجعة في حصول المتعلم على معلومات منظمة ومترابطة.
• وضوح معايير تقويم كفاية المدرس المتدرب.
• يستدل على كفاية المدرس المتدرب من ملاحظة واقع سلوكه وتصرفاته المهنية ومن قيم المثابرة والاجتهاد في العمل.
• استناد برنامج التكوين بالكفايات على مجموعة من الاتجاهات التربوية والنفسية الحديثة مثل التعلم الذاتي.
• يوفر المحتوى الكفايات، ومن هذه الكفايات تشتق المفاهيم والمبادئ والمهارات والأمثلة التوضيحية لها.
• يوفر المحتوى والكفايات الاستراتيجيات والإجراءات والأساليب و الوسائل والأنشطة المساهمة في التدريس والتدريب لتحقيق أهداف برنامج التكوين بالكفايات.
• إعطاء الأولوية للعمل الميداني لتسهيل عملية اكتساب الكفايات التي ستنجز في المواقف التدريسية.

التعلم الذاتي:

يرتكز الاتجاه الداعي إلى توظيف أسلوب "التعلم الآتي" في العملية التعليمية على مجموعة من الأسس والمرتكزات، وتعود هذه الأساليب والمرتكزات إلى جملة من التطورات التي أحدثت تغييرات ملموسة في المجال التربوي على مستوى التصورات والمنظورات، يدعمها في ذلك ثورة تكنولوجيا الإعلام والتواصل.
ففي المجال التربوي، فرض السياق الثقافي الجديد على المسألة التربوية أسئلة جديدة تمثلت بالخصوص في ظهور حاجات لم تكن لتظهر وحدها في المراحل السابقة. ومن هذه الأسئلة المعقدة البحث عن وسائل تمكين المتعلمين الجدد من فهم واستيعاب ودمج عناصر الثقافة الحديثة المتأثرة بالانفجارات المعرفية وبالإيقاع السريع لطبيعة الحياة في عصر اقتصاد العولمة وتكنولوجيا الاتصال والتواصل. إن أبرز سمة من سمات هذا السياق في نظر الباحثين هما: الانفجار المعرفي والتغير السريع.
في كتابه "تخطيط فصول الدراسة" إلى أن تطور المعرفة العلمية التكنولوجية W.Nutting ويشير نوتينغ
يتضاعف بمتوالية هندسية، وأن الكم المعرفي يتضاعف بشكل مدهش ومثير في أوقات قصيرة.
لقد أثرت الانفجارات المعرفية والتغير السريع على المجال التربوي بشكل بارز وملحوظ، وظهر ذلك جليا على المناهج والمقررات الدراسية في تصوراتها وفلسفتها وأهدافها وقيمها، وتتحدد أهم نتائج تأثير الظاهرتين في:
• فرضت ظاهرة تراكم المعرفة بعد كل عشر سنوات على الطفل الجديد أن يستوعب كمّا من المعلومات التي تعادل ضعف تطور المعرفة التي كان يستوعبها الطفل الذي في مثل سنه قبل عشر سنوات.
• إن معظم الخريجين سيتعاملون قبل بلوغهم سن الثلاثين بأفكار ومفاهيم لم يتعلموها في المدرسة.
• صعوبة اختيار المستوى الدراسي أمام واضعي المناهج: ما الذي ينبغي تقديمه للمتعلم ؟ وما الذي ينبغي حذفه ؟
• زوال فكرة ثبات المعلومات.
• عدم كفاية السنة الدراسية (تسعة شهور) لملاحقة التطورات العلمية والفنية (الرياضيات-الكيمياء- الفيزياء-العلوم الطبيعي- البيولوجيا- العلوم الإنسانية)؛ ذلك أن الإيقاع السريع الذي يميز ظاهرة تطور هذه العلوم أصبح يتطلب جهازا من القدرات والمهارات على اكتساب المستجدات.
تضعنا هذه النتائج وغيرها أمام صعوبات تربوية كثيرة لعل من أخطرها ذلك السؤال المتمثل في البحث عن استراتيجيات تربوية تؤهل المتعلم لخوض غمار متطلبات هذا السياق التاريخي والاقتصادي والاجتماعي.
بناء على هذا السؤال، كشف مسار عملية البحث عن هذه الاستراتيجيات عن بعض المحاولات التي كان هدفها الاستجابة للمد العلمي  التكنولوجي وإيجاد مكان له في العملية التعليمية- التعلمية. وركزت هذه المحاولات على مستوى تجديد المناهج بإدخال موضوعات علمية في المقررات الدراسية، وتبين بالملموس مدى عقم هذه المحاولات وهي تواجه في لحاقها ظاهرة الانفجارات المعرفية، بسمتي الاتساع والعمق، فإن المحاولات الانتفاضية المتسمة بالتجزؤ اصطدمت بواقع افتقارها لتلك الرؤية الشمولية التي تفرضها العملية التربوية، باعتبارها كلا يضم في رؤيته البعد الفلسفي العقلاني وبُعد الأهداف وبعد الوسائل وبعد الطرائق. ومن هنا تأكد بما لا يدع أي مجال للشك، بأن العقل النظري والعمل يشكلان وحدة متكاملة، وأن النظري في هذه الوحدة لا ينفصل بأي حال من الأحوال عن العملي.
وتأسيسا على هذا المنطق الكلي، ستتركز معظم الانتقادات للرؤية التربوية المالية في نقطتين هامتين:
-1 الضرورة التاريخية التي تفرض إصلاح البنيات التعليمية و تطوير طرائقها.
-2 العمل على تمتين الروابط بين المؤسسات التعليمية والمجتمع.
والملاحظ أن هذه الانتقادات المركزة في النقطتين السابقتين ستوجه الكثير من مقاربات الباحثين وهم يرسمون الخطوط الكبرى أو ملامح ذلك النظام التعليمي المبحوث عنه في سياق الألفية الثالثة. ويمكن تلخيص أهم هذه البحوث في شعارين من شعارات منظمة اليونسكو: شعار"تعلم لتكون" و شعار "عالم التربية اليوم وغدا".
كان من نتائج هذه الدراسات والبحوث مفهوم التربية المستمرة، ويعني هذا المفهوم تلك الطريقة التي تمكن كل فرد من تعليم نفسه بنفسه واكتساب المعلومات والمهارات المهنية والاجتماعية، وتنمية الذوق الفني وطرائق التفكير الإبداعي وتكوين القيم والاتجاهات، والسعي الدائم للحصول على المعرفة وتوظيفها توظيفا إيجابيا والتشديد على مهارة "تعلم كيف تتعلم" "مهارة الوجود".
يعكس مفهوم التربية المستمرة نقدا للنظم التعليمية التقليدية التي جعلت الأفراد اليوم عاجزين عن التكيف مع معطيات السياق الجديد وتطوراته السريعة، فهؤلاء الأفراد يفتقرون إلى تلك الأدوات العلمية والمعرفية التي تمكنه من استيعاب روح العصر الذي يعيشون فيه، وما يهمنا في مفهوم التربية المستمرة هو تلك الوسيلة التي يطلق علها "التعلم الذاتي".
يحمل مفهوم التعلم الذاتي على عاتقه، وباعتباره استراتيجية تعليمية تعلمية، إمكانية استمرارية التعليم مما يمكن الأفراد عن طريق التدريب من اكتساب مهارة جمع المعلومات وتفسيرها.
وإذا عدنا إلى نتائج بحوث علم النفس في بداية القرن العشرين، نجد أن ذلك الأساس الذي سيفرض على التربويين إعادة النظر في مقاربتهم لأهم صيغ تفريد التعليم، غير أنه لابد من تقديم التوضيح الآتي، وهو أن صيغ تفريد التعليم لم تكن منفصلة في جوهرها عن القدرات والمهارات. إن الأساس النفسي الذي سيعتمد عليه المربون هو التمثل في اختلاف الأفراد من حيث قدراتهم واهتماماتهم واستعداداتهم ومستوى تحصيلهم، وتأتي هذه الاختلافات لتضاف إلى الاختلافات الجسمية والعقلية والنفسية. من هنا ستتضح أهمية أسلوب التعلم الذاتي. إن التعليم الفعال وفق هذا المفهوم الجديد هو الذي يأخذ في اعتباراته ظروف الفرد المتعلم وإمكاناته وقدراته، وإيقاعاته وخصائصه، وذلك لخلاف استراتيجية التعلم الجماعي التي تضع كل المتعلمين في سلة واحدة.
بالإضافة إلى هذا كله، ستضيف ثورة تكنولوجيا الإعلام والتواصل مهام أخرى إلى العملية التعليمية،
ويتضح ذلك من خلال آثار هذه الثورة على المجال التربوي فالعصر الحديث المتميز بسرعة التغيير سيفرز
مهنا جديدة، ومقابل هذه المهن سنلاحظ اندثار أخرى، ويعني ذلك أن ثمة أساليب تقنية حديثة ستحل محل
أخرى، ويشمل هذا التطور تغييرا في نظم الإنتاج والاستهلاك، وتفرض هذه الآثار أو النتائج ضرورة إعداد
الفرد لاستيعاب هذه المهن الجديدة بإكسابه معلومات وتقنيات ومهارات تسهل عملية اندماجه في هذا السياق الاقتصادي والتكنولوجي، ويشكل أسلوب التعلم الذاتي أهم مدخل لتلبية حاجات الفرد المهنية والعملية.
وينهض أسلوب التعلم الذاتي من نتائج بحوث علم النفس في مجال الفروق الفردية، خصوصا ما يتعلق منها بالشكل وأنماط الذكاء ومستوى النضج ومعدله والطرق التي يدرك بها الأفراد العالم وأنماط تعلم الأفراد وميولهم تجاه المادة الدراسية وطرق الاستيعاب وسرعة التعلم ومستوى الدافعية والمظاهر الجسمية.
وبناء على هذه البحوث ظهرت الدعوة إلى جعل التعلم فرديا، ويعني ذلك مراعاة خصائص المتعلم والمواقف التعليمية المختلفة.
والجدير بالذكر أن مدارس علم النفس تختلف في طرق تعاملها مع الفروق الفردية، وتتلخص أهم الاتجاهات في علم النفس التي تناولت مفهوم الفروق الفردية في ثلاثة: الاتجاه التجريبي، الاتجاه الارتباطي، التفاعل بين الطريقة والاستعداد.
يسلم الاتجاه الأول بالفروق الفردية بين الأفراد في متغيرات هامة مثل الذكاء والسرعة في التعلم ويركز على الطريقة التي يمكن التعامل بها مع الفروق، وفي هذا الإطار يرى سكيير أن التغلب على الفروق الفردية يكمن في التحكم في البيئة التعليمية بواسطة الإعداد الجيد للمادة التعليمية، وعن طريق التعزيز السالب والموجب وبتوظيف أساليب التشكيل والتعميم والتمييز، وهي المفاهيم التي تسهل عملية التعلم، وغير خاف على الباحثين أن هذا الاتجاه يبحث عن تطوير طرائق التدريس أكثر من بحثه عن الفروق الفردية.
أما أصحاب الاتجاه الثاني فيرون أنه إذا كان المتعلمون يختلفون في قدراتهم على التعلم، فإنه من الممكن التحكم في ذلك بوضعهم في مقررات وصفوف دراسية بناء على قدراتهم، ويوظف هذا الاتجاه في عملية تحديد الفروق الفردية والمقاييس المختلفة لقياس الذكاء، وبناء على النتائج التي تفرزها هذه الإجراءات تحدد القدرة التي تؤهل أو لا تؤهل هذا التلميذ أو ذاك ليجتاز بنجاح مقررا دراسيا. إن عملية التنبؤ بالنجاح
أو الفشل في مرحلة دراسية، والتي يوفرها هذا المقياس، تؤدي إلى حماية التلميذ من الفشل، وإذا كان الاتجاه الأول يرمي إلى تطوير طرائق التدريس وإغناء البيئة التعليمية، فإن الاتجاه الثاني يركز على ضرورة انتقاء الأفراد تبعا لقدراتهم وامكاناتهم، في حين يتيح الاتجاه الثالث جملة من الحقائق، وتتلخص هذه الحقائق في أنه لا المواقف التدريسية تعتبر مسؤولة عن التعلم الفعال، ولا الخصائص الفردية مسؤولة أيضا بمفردها عن التعلم، وإنما هو نتاج للتفاعل بين البيئة التعليمية بما تتضمنه من مناهج وطرائق التدريس ووسائل تعليمية من جهة، وبين سمات و خصائص المتعلم من جهة أخرى.
و يعرف الباحث كرونباخ مفهوم التفاعل بين الاستعداد والطريقة بأنه الموقف التعليمي الذي يمكن أن نوفره للمتعلم آخذين بعين الاعتبار أن هذا المتعلم ذو الخصائص الفريدة سواء كان ذلك في الجوانب العقلية أو الانفعالية أو الجسمية، وأنه يتعلم بطريقة أفضل تحت أسلوب أو طريقة معينة.
وتشير بحوث أخرى إلى أن الصفات الشخصية للفرد هي التي تحدد نوعية الطريقة، وأنه من الضروري عند وضع البرامج التعليمية الاهتمام بالاستعداد والطريقة.
وهناك أبحاث أخرى تؤكد أن الاستعداد والطريقة يشيران إلى تلك الفروق التي يمكن ردها إلى القابلية للتعلم، وأن هذه القابلية تتفاعل بشكل ملحوظ مع طرائق التدريس. ومن هنا فإن الطريقة التي تصلح بالضرورة لهذا الفرد قد لا تصلح لآخر وذلك بسبب اختلاف الاستعداد العقلي.
وفي هذا الإطار يمكن إضافة الدراسات التي أثبتت أن هناك علاقة متبادلة بين التعلم الذاتي والخصائص النفسية للمتعلم، ومن هذه الدراسات العامة نشير إلى دراسة الباحثة نادية شريف للأنماط الإدراكية وعلاقتها بمواقف التعلم الذاتي  التعلم التقليدي، حيث قامت الباحثة بدراسة العلاقة بين الأساليب  المعرفية (الاختلافات الفردية في أساليب الإدراك والتذكر والتفكير) وبين أنماط التعلم الذاتي والتعلم التقليدي، إن الأفراد ينقسمون حسب الأساليب المعرفية إلى نمطين: نمط يعرف باعتماده على المجال، أما النمط الثاني فيسمى بالنمط المستقل إدراكيا، ويدرك الأفراد المجال هنا بطريقة تحليلية، فيتبينون أن أجزاءه تبدو كعناصر منفصلة مستقلة عن بعضها البعض، ومن نتائج هذه الدراسة أن أسلوب التعلم يتأثر بشكل النشاط المعرفي الذي يتصف به الفرد، الأمر الذي يؤكد أهمية التفاعل بين الاستعداد والطريقة. وتشير الدراسة التي قام بها محيي الدين شعبان حيث تتوقف هذه الدراسة، على فاعلية برنامج التعلم الذاتي بالمقارنة مع التعلم
العادي."دراسة العدد الأول، مجلد الخامس 1978 ص 2"، إلا أن ذوي الاستعداد المرتفع يستفيدون بدرجة
أكبر في ظل أسلوب التعلم الذاتي من ذوي الاستعداد المنخفض "التعلم التقليدي".
إن نجاح العملية التربوية يتوقف في معظم جوانبها على تصميم المواقف التعليمة، ونجاح هذا التصميم
يتوقف بدوره على التفاعل بين الاستعداد والطريقة.
وعلى الرغم من أهمية الاتجاهات المعروضة سابقا، فإنه لابد من الإشارة إلى أهمية الاتجاه النفسي
الإنساني. وتعود أهمية هذا الاتجاه إلى غنى الأسس والمرتكزات التي قدمها للعملية التعليمية- التعلمية.
وتبدو الإضافة الهامة التي قدمها هذا الاتجاه "الاتجاه النفسي الإٌنساني" للعملية التربوية في جعل المتعلم محور
العملية التعليمية التعلمية، وفي تشديده على استقلال وحرية المتعلم في تقرير ما يريد تعلمه. وتتعزز هذه
المقاربة النفسية الإنسانية لدعائمها بالتركيز على لذة الاكتشاف في عملية التعلم.
إن التوجيه الذاتي للمتعلم يكسبه الثقة بالنفس ويجعل تعامله مع الآخرين تعاملا مرنا وسهلا، وينمي
شخصيته. ومن مرتكزات هذا الاتجاه: الرغبة في معرفة كيفية التعلم، وتعد هذه الرغبة محورا أساسيا من
محاور هذا الاتجاه، وعلى أساس هذا المحور يحددون أدوار المدرسة التي ينبغي أن تعد تلاميذ يتمتعون
ذلك بقوله: Rogers برغبة دائمة في التعلم، ويتعلمون كيف يتعلمون. ويوضح كارل روجير " إن التدريس ونقل المعرفة للتلاميذ عمل له معنى في بيئة لا تتغير، غير أنه إذا كانت هناك حقيقة واحدة تصدق على الإنسان المعاصر، فهو أنه يعيش في بيئة دائمة التغيير، فما يدرسه التلاميذ في الفيزياء اليوم سوف يصبح باليا بالتأكيد خلال عشرين سنة. وما نسميه حقائق في التاريخ فإنها تعتمد إلى حد بعيد على المزاج السائد للثقافة، كما أن الكيمياء وعلم الأحياء وعلم الوراثة وعلم الاجتماع في حالة تغيير مستمر.
وتحدد هذه القولة مهام التربية أو وظائفها الجديدة، وتتمثل هذه الوظائف في تذليل كل الصعوبات التي تعترض الفرد وهو يخضع لسياق التغيير. ومن هنا أهمية إمداد المتعلم بالمستلزمات الضرورية للاستجابة
للتغيير. ومن هذه المستلزمات أن يتعلم كيف يتعلم، وأن يكتشف خصائصه المميزة و يحقق ذاته بواسطة
القدرات والمهارات والتقنيات.
ومن شروط تدعيم حرية المتعلم واستقلاله في نظر الاتجاه النفسي  الإنساني في التقويم الذاتي، ومختلف التقديرات التي يقدمها النموذج التقليدي وهي تقديرات غير مؤسسة على الكفاءة أو المهارة. وكل ما فيها هو أنها تعتمد على مقارنة إنتاج المتعلمين مع متعلمين آخرين، ويرى أصحاب هذا الاتجاه أن المتعلم في حاجة إلى مناخ يشعره أو يمنحه الاطمئنان بدل أجواء التحقير التي تهيمن على المؤسسات التعليمية. وارتباطا بمناخ الشعور بالاطمئنان يرى الإنسانيون ضرورة إتاحة فرص للمتعلم لكي ينمي مشاعره داخل المدرسة.
بناء على مقاربة هذا الاتجاه الإنساني للعملية التعلمية  التعلمية، يبدو جليا ما طرأ على أدوار المدرسين من تغيير، ويتضح هذا التغيير على مستوى نقل المدرس من تلك الرؤية التي كانت تجعله محورعملية التعليم والتعلم إلى وضعية أخرى تنحصر فيها أدواره ومهامه في تسهيل التعلم والتركيز على المتعلم في عملية التسهيل هاته على قدراته ومهاراته واستعداداته.
ومن هذه الأدوار والمهام الجديدة، يتضح دور استراتيجية تفريد التعليم والتدريب الذاتي.
تفرز مشاريع تصميم البرامج وتطوير أساليب التدريب في برامج تكوين المدرس، ملاحظة أساسية مؤداها أن خطط التعليم بدأت تعمل باستراتيجيات تفريد التعليم والتدريب حتى يكون مسؤولا عن تكوينه؛ لأن هذه المسؤولية تمكنه من تطوير كفاياته ومهاراته التدريسية. وتنمي هذه الاستراتيجيات توجهه الذاتي التي تشجعه على الإبداع كما تساعده هذه الاستراتيجيات على مراعاة الفروق الفردية بين المتعلمين، والعمل على تنمية استقلال المتعلم في تفكيره وعمله وتحقيق ذاته. و يبدو من خلال ما تقدم أنه لابد من تحديد بعض المفاهيم الواردة في استراتيجية تفريد التعليم:

-1 التعليم: هو توجه كل موقف تدريسي أو برنامج تعليمي نحو المتعلم بوجود المدرسة أو واضع البرنامج.
-2 تفريد التعليم: صيغة اكتسبت حداثتها من تطور استعمال الأساليب والوسائل الحديثة في التطبيق.
ويعني هذا المفهوم تدريس فردي له منهجه ومحتواه وله صيغه التي تحتاج إلى عدة وبرامج موجهة ومقومة، هذا بالإضافة إلى تزويدها بالمعرفة معتمدة على جهود المتعلم بدون مدرسين. فإن احتاج المتعلم
إلى شيء فما فعليه إلا أن يتوجه إلى سبل كثيرة منها الأجهزة أو البرامج، أو التوجه إلى معديها أو واضعيها أو إلى مدرسه.
-3 التعلم: تعديل أو تغيير في سلوك المتعلم نتيجة تأثير ظروف التعليم.
-4 التعلم الذاتي: تعديل أو تغيير في سلوك المتعلم نتيجة جهوده في التفكير والتأمل والخبرة وبذل الجهد
في الممارسة يتخذ صورا وأشكالا مختلفة مثل الدراسات المستقلة والتعلم المبرمج والتعلم بالحاسوب الالكتروني، وبرامج خطة كيلر، والبرامج المنهجية للتعلم الذاتي مثل التعلم المشخص للفرد، والتعلم الموجه للفرد وبرامج التعلم طبقا للحاجات؛ وللتعلم الذاتي علاقة بالتحصيل الدراسي.
-5 التدريب الفردي: أسلوب يمر به المتعلم على المواقف التعليمية أو التدريسية باستخدام الأجهزة أو البرامج بدافع من رغبته الذاتية ليكتسب المعلومات والمهارات في الوقت المناسب له، ليتقدم وفق قدراته محققا الأهداف المرجوة في غياب المدرس.

فرضيات استراتيجية لتفريد التعليم:  

هناك ثلاثة فرضيات تتأسس عليها استراتيجية تفريد التعليم.
-1 يتعلم التلميذ بصورة أفضل مما هو عليه عندما يكون مشاركا نشطا وفعالا، أو عندما يتلقى تغذية على
مدى استجابته.
-2 يقدم التعليم الفردي مساعدات للمتعلمين لتطوير أنفسهم ذاتيا أثناء الدراسة أو أثناء ممارستهم للمهنة.
-3 يؤثر تكامل النظري والعلمي في استراتيجية تفريد التعليم في مستوى الأداء والكفاية والإنتاج.
تندرج هذه الفرضيات مجتمعة في إطار برنامج تكوين المدرسين المؤسس على الكفايات. ويتحدد المفهوم الشامل لبرنامج تكوين القائم على الكفايات من خلال التعريفات الآتية:
- تكوين المدرس على الأداء أو التطبيق.
- يحدد هذا البرنامج أهدافه بدقة ووضوح لتكوين المدرس، كما يحدد الكفايات المطلوبة التي تلزم المدرسين بالمسؤولية عند بلوغ هذه المستويات.
- يزود برنامج التكوين بالكفايات المدرسين بخبرات تعليمية تمكنهم من الإطلاع بأدوار تعليمية متعاقد عليها من خلال أداء كفايات تعليمية محددة.
- يحدد برنامج التكوين بالكفايات ما يطلب من المدرس القيام به بإتقان.
تفرض هذه التعريفات الشاملة تحديدا لمفهوم الكفاية. وتنقل الباحثة سهيلة كاظم الفتلاوي عن غيرها مجموعة من التعريفات نوردها بإيجاز على النحو الآتي:
- الكفاية هي القدرة على إنجاز النتائج المرغوب فيها مع اقتصاد في الجهد والوقت والنفقات (تعريف (V.Good
- يرى درة أن الكفاية هي تلك المقدرة المتكاملة التي تشمل مجمل مفردات المعرفة والمهارات والاتجاهات
اللازمة لأداء مهمة ما مترابطة من المهام المحددة بنجاح وفعالية.
- يعرف "طعيمة" الكفاية بأنها مختلف أشكال الأداء التي تمثل الحد الأدنى الذي يلزم لتحقيق هدف ما.
- وتعرف الفتلاوي الكفاية بأنها قدرات نعبر عنها بعبارات سلوكية تشمل في مجملها (جوانب معرفية مهارية وجدانية) تكون الأداء النهائي المتوقع من المعلم إنجازه بمستوى معين مرض من ناحية الفاعلية والتي يمكن ملاحظتها وتقويمها بوسائل الملاحظة المختلفة.
- أما تعريف "مرعي" للكفاية، فإنه يعتبرها قدرة على عمل شيء بفاعلية وإتقان، وبمستوى الأداء وبأقل جهد ووقت وكلفة. وقد تكون الكفاية معرفية، وقد تكون أدائية، والكفاية المعرفية تكون منطلقا وأساسا للكفاية الأدائية. وتتحول الأخيرة إلى عمليات وإجراءات يمكن ملاحظتها، وتختلف باختلاف المهام التي ترتبط بها.
يتكون أداء الكفاية من المكون المعرفي والمكون العملي والمكون الوجداني.
يتشكل العنصر الأول من العمليات المعرفية والقدرات العقلية، والوعي والمهارات الفكرية الصورية لأداء مهام الكفاية؛ في حين يشمل العنصر الثاني السلوك الأدائي الذي يتكون من الأعمال والحركات اليدوية واللفظية وغير اللفظية (القراءة، الكلام، المناقشة والكتابة) وتوظيف الأجهزة والوسائل التعليمية وتخطيط الدرس وإعداد الأسئلة إلى غير ذلك من السلوكات الأدائية. أما المكون الثالث فيضم الاتجاهات والقيم والمبادئ الأخلاقية والمواقف الإيجابية التي ترتبط بمهام الكفاية الأدائية.
يرتبط مفهوم الكفاية بمفاهيم المهارة، الأداء، الفعالية، ارتباطا وثيقا، وتعتبر المهارات من المتغيرات الرئيسية التي تحدد أهمية التعلم الذاتي. وبالإضافة إلى هذه الأهمية، فإن المهارات توظف لتقييم التعلم الذاتي، وتعني المهارة ذلك النوع من الأداء الذي يعلم الفرد أن يقوم به بسهولة ويسر وكفاءة ودقة مع اقتصاد في الوقت والجهد، سواء كان هذا الأداء عقليا أو اجتماعيا أو حركيا.
المهارة بهذا التعريف عنصر من عناصر الكفاية، ويعني تحقق المهارة في إنجاز أو أداء شيء ما تحققه الكفاية له، لكن عندما تتحقق الكفاية فإن هذا لا يعني تحقق المهارة به، و تعكس المهارة تصور ذلك المستوى العالي من الكفاية في الإنجاز، وإذا كانت المهارة تخرج عن نطاق أداء عمليات  حركات يدوية ولفظية وغير لفظية، فإنها تتطلب شروط السرعة والدقة والتكيف ومدة التوقيت ومستوى التمكن وفق معاييرمحددة توظف للوصول إلى الهدف المنشود.
نستخلص مما سبق، أن الكفاية أعم و أشمل من المهارة وتتطلب تكاليف أقل، ولكنها لا تبلغ مستوى أداء المهارة.
يعني الأداء مجموعة من الاستجابات التي يقوم بها الفرد في موقف معين بشكل قابل للقياس وفق معايير موضوعية، ويكشف التمييز بين كل من الكفاية والأداء على أن الكفاية ترتبط بالقدرة على العمل بمستوى معين من الأداء كما ترتبط بسلوك أدائي مرض لإنجاز الأعمال أو المهام، في حين يقصد بالفعالية الوصول إلى تحقيق الأهداف بواسطة النتائج المرجوة وتقويمها بمعايير وأسس البلوغ، وتتلخص العلاقة بين مفهوم الكفاية ومفهوم الفعالية في النقط الآتية:
• عندما تتحقق الفعالية لشيء ما فإن ذلك يعني تحقق الكفاية له.
• تعد الكفاية مطلبا ضروريا للفاعلية.
• إذا تحققت الكفاية لشيء ما فهذا لا يعني تحقق الفعالية به.
• يتسع مجال الفعالية ويتضمن الكفاية، ولكن مجال الكفاية قد لا يتضمن الفعالية.
يقيم نموذج أو اتجاه التكوين بالكفايات، علاقات مع اتجاهات أخرى، و يمكن تغيير هذه العلاقات بأنها دعامات أساسية لنموذج التكوين بالكفايات. ومن هذه الاتجاهات نذكر ما يأتي:
- تكنولوجيا التعليم: يستجيب نموذج التكوين بالكفايات لتكنولوجيا التعليم ويعتمد عليها في مشروعه لتطوير التعليم والتعلم، واعتمادا على هذه التكنولوجيا استفادت عملية تصميم وبناء المناهج الهادفة إلى تكوين المدرسين وفق متطلبات مبدأ الكفاية:
اقتصاديات التعليم  حركة الافتحاص  تفريد التعليم  الاتجاه السلوكي  التعلم والإتقان.
يقتضي بناء البرامج المؤسسة على الكفاية تحديد هذه الكفايات الضرورية للتكوين، وتعد عملية التحديد هذه من أولى خطوات بناء هذا النوع من البرامج.
وتحتاج هذه العملية  عملية تحديد الكفايات  إلى إجراء منهجي يقوم باشتقاق هذه الكفايات من مصادرها ومرجعياتها الآتية:
-1 أدوار المعلم: تحليل مهامه وأعماله لتحديد الكفايات المطلوبة التي يسعى البرنامج إلى توفيرها وتنميتها لدى المعلمين لزيادة التحكم بالعملية التعليمية، ومن أدواره أنه موجه للنشاط التعليمي وناقل للمعارف ومعبر لفصله....)
وتشير الباحثة سهيلة الفتلاوي إلى أن كلية التربية في جامعة بستربج اعتمدت نموذجا لهذا المرجع الذي حصرته في ستة مجالات للكفايات، تحت كل منها عدد من الكفايات الفرعية:
• المجال الأول: المعلم ناقل للمعرفة: ويضم 14 كفاية فرعية.
• المجال الثاني: المعلم مدبر لنشاط التعليم: ويضم 13 كفاية فرعية.
• المجال الثالث: المعلم مصمم ومصدر لعملية التدريب على التعليم و يضم 11 كفاية فرعية.
• المجال الرابع: المعلم مصمم ومدرب لمهام التعليم ويضم 13 كفاية فرعية.
• المجال الخامس: المعلم مرشد ويضم 13 كفاية فرعية.
• المجال السادس: المعلم وتفاعله مع الآخرين ويضم 10 كفايات فرعية.
وتشكل البحوث والدراسات مصدرا هاما لاشتقاق الكفايات مثل بحوث تصنيف الأهداف التعليمية والسلوكية لبلوم، وتبرز صنافة بلوم ثلاث أنواع من الكفايات هي: الكفاية المعرفية، الكفاية الأدائية، الكفاية الوجدانية، كما تعد "القوائم الجاهزة" في نظر الباحثة قائمة الكفايات التي وضعتها كلية التربية بجامعة عين
شمس، وهي قائمة خاصة بكفايات معلم المرحلة الأولى من التعليم الأساسي، وتندرج هذه الكفايات من حيث توزيعها في تسعة مجالات وهي:
كفاية إعداد الدرس والتخطيط له  كفاية تحقيق الأهداف  كفايات عملية الدرس  كفايات التعامل مع التلاميذ وإدارة الفصل  كفاية استخدام المادة العلمية والوسائل التعليمية والأنشطة  كفايات عملية التقويم  كفايات انتظام المعلم  كفايات إقامة العلاقات مع الآخرين  كفاية الإعداد كل مشكلات البيئة.
ومن مصادر اشتقاق الكفايات البرنامج النظري، وحاجات المتعلمين في المدرسة، وتقدير الحاجات، والنظريات التربوية. ويعني البرنامج النظري، دراسة المواد الدراسية المنهجية النظرية المعتمدة، ومحاولة
اشتقاق الكفايات أو الأداءات المتوخاة بمقتضى أسسها وأهدافها.أما حاجات المتعلمين باعتبارها مصدرا من
مصادر اشتقاق الكفايات، فإنها تحلل لتحديد الكفايات التي ينبغي أن يكسبها المدرس للمساعدة في تلبية حاجات المتعلمين التي تفرزها المدرسة.
وترى الباحثة أن المقصود بتقدير الحاجات، الحاجات الاجتماعية دون غيرها من حاجات المعلمين والتلاميذ، ويعد تحديد حاجات المجتمع المحلي أساسا لتحرير الكفايات، ولاشتقاق الكفايات فإنه لابد من اعتماد أساس نظري، وتشترط عملية اشتقاق الكفايات من هذه المرجعية أن تكون الكفايات متفقة مع مرتكزات النظرية التربوية المعتمدة.

محمد مكسي باحث في علوم التربية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التدريس بالكفايات من منظور كزافيي روجرز

التوالد عند الكائنات الحية والوراثة عند الإنسان

درس التغدية عند الكائنات الحية بالفرنسية اولى اعدادي لمادة علوم الحياة و الارض