آفاق التعليم والتغيير
آفاق
التعليم والتغيير
د. علي بن عمر بادحدح
إن مناهج التعليم في أي بلد تمثل
أوضح وأصدق الوثائق الدالة على حقيقة أهداف النظام ، وملامح إستراتيجياته ، ولا
يملك التدليس فيها كما قد يفعل في مجالات السياسة والاقتصاد وغيرها ، ذلك أن أي
نظام يجعل أولويات نجاحه وأساسيات بقائه ما يلقنه للأجيال الناشئة ، عبر سنوات
التعليم الطويلة ؛ وذلك ليضمن شيوع الفكر الذي يتبناه ، والأخلاقيات التي يريدها .
ولذلك نجد أن
كل نظام جديد يحل في
بلدٍ ما ؛ فإن أول ما يقوم بتغييره مناهج التعليم لتوافق أفكاره ومبادئه ، ومثال
ذلك الشيوعية البائدة التي ما دخلت بلداً إلا وغيّرت مناهجه ، وصبغتها بالشيوعية
الحمراء ، فإذا القدوات ماركس ولينين ، وإذا التاريخ فلسفة مادية وإذا الدين خرافة
بشرية وهكذا .
ولهذه الأهمية الكبرى للتعليم حرص
أعداء الإسلام على السيطرة على التعليم ومناهجه ، واعتبروا ذلك أولوية عظمى ، ومن
هنا جاء دور المستعمر في وضع أسس ومناهج التعليم كما فعل كرومر ، ثم حرص على أن
يخلف أذنابه في مناصب القيادة للمؤسسات التعليمية في البلاد الإسلامية ؛ لتستمر
مسيرة التعليم بعيدة عن دين الأمة وتاريخها ومقوماتها حتى تتخرج أجيال لا تعتز بدينها ، ولا ترتبط
بتاريخها ، ولا تميز بين عدوها وصديقها .
والكيان الإسرائيلي الغاصب يجعل
التعليم أساساً لصياغة مجتمع اليهود ، فمنذ قيام إسرائيل ظهر الجهد المبذول في هذا
المجال حيث تم التصديق على قانون التعليم المجاني في 12/9/1949م ، وينص القانون
على إلزامية التعليم منذ سن 5سنوات في مرحلة الحضانة ، ويقول وزير المعارف اليهودي
: " إن صمودنا أمام التحدي الكبير الذي يواجهنا يتمثل في مقدرتنا على تربية
قومية ، مرتبطة بالتعاليم الروحية اليهودية " .
ويصل الأمر إلى الغاية في العمق
عندما يعد التعليم من مستلزمات الدفاع الوطني ، كما قال صحفي يهودي : " تؤلف
دبابات سنتوريون عاملاً من عوامل الأمن والسلامة للمستقبل القريب ، ولكن المدرسة
والجامعة هي العامل الأكثر أهمية للمستقبل البعيد ".
ولهذا أصدرت إسرائيل قانون الإشراف
على المدارس لسنة 1969م على جميع مدارس المناطق المحتلة ، ومن نصوص هذا القانون :
" مناهج التعليم والكتب المدرسية ، والكتب المساعدة ، والوسائل التعليمية
المساعدة ، ومنجزات التعليم في المدرسة تخضع لإشراف وزير المعارف والثقافة ،
وتتناسب مع التعليمات العامة في نفس النوع من المدارس ".
ثم صدر الأمر العسكري في 29/8/1971م
يقضي بمنع لائحة الكتب العربية في مدارس الضفة الغربية وشملت القائمة ( 109 )
كتاباً .
وسعى اليهود أيضاً بعد السيطرة على
التعليم في الأراضي المحتلة إلى تغيير المناهج في الدول العربية عبر سياسات
التطبيع .
ومن العجيب أن هذه الدول أجرت
التغيير وفق المطالب اليهودية ، بشكل استيعابي دقيق ،لم يغفل مناهج التاريخ ، ولم
يترك أناشيد الأطفال ، بل تناول التهذيب والحذف لآيات القرآن ، وأحاديث المصطفى
صلى الله عليه وسلم .
فما أعظم الخطر المنتظر للجيل القادم
! عندما تعمل المعاول في أسس التربية والتعليم ، وهي الدين واللغة والتاريخ .
فهل من انتباه ويقظة ؟ وهل من إدراك
وخشية ؟ وهل من مقاومة وعمل ؟
تعليقات
إرسال تعليق